الجمعة 5 مايو 2023 | 12:54 م

حكايات التاريخ.. عين "رع" البعيدة

شارك الان

تجسد "عين رع"، في إطار روايات متعددة، الأسطورة الكونية للعودة الأبدية. ووفق المعتقد المصري القديم، وجد "رع" نفسه حُرِم من عينه "أوجات" وهو اسم أنثوى يعنى "الكاملة" فكلف كلا من الإلهين "شو" و"تفنوت" بأن يذهبا لإحضارها ولكنهما أمضيا وقتا طويلا في العثور عليها، وعندما نفد صبر "رع" أحل مكانها عينا أخرى فاستشاطت العين الشاردة غضبًا وتملّكت حتحور ثورة عارمة، ولكى يُهدّي "رع" من ثورتها قام بوضعها فوق جبينه.

تحولت العين إلى شكل الكوبرا، أو الحية الأنثى المقدسة رمز القوة والحماية، ويبدو أنه بدأ من هذه اللحظة لقب الإله "شو" أو بمعنى آخر "العبير الإلهي"، باسم أنوريس أي الذي جلب البعيدة.

هناك رواية أخرى أكثر شمولا وجاذبية من تلك الأسطورة، عريقة في القدم مثلها مثل اسم أنوريس نفسه "تبين أن العين قد سافرت الى الجنوب البعيد"، بعد أن غادرت في لحظة غضب قصر أبيها الفخم الذي يقع في شمال مصر وتجسدت هذه العين في هيئة "الإلهة حتحور".

وتقدم الأساطير المصرية أمثلة عديدة لهذه التجسيدات المتعددة "لحتحور". فهي تبين أحيانا عين رع في هيئة الإلهة، "تفنوت"، ومع مرور الأيام وتوالي السنين بدأ الحزن والأسى أنحاء القصر، بل وأنحاء البلاد كلها لغياب العين. 

وبالرغم من ذلك فقد تحولت هذه الالهة الى لبؤة ضارية، تنفث اللهب من عينيها وفمها، فطلب "رع" من "شو" و"تحوت"، الذين تجسدا في هيئة قردين، أن يذهبا لمقابلة تلك الغاضبة المفترسة التي هددت المبعوث "تحوت"، بالقتل عند رؤيتهما، ولم يدّخر هذا الرسول النشيط جهدا في محاولة تهدئة الإلهة الغاضبة، فحاول إقناعها بكل الوسائل بالعودة إلى وطنها حيث المناخ الرائع والمأكل والنبيذ الوفير. 

ولكي ينقذ حياته المعرضة للخطر لجأ للحجج والبراهين النفسية، فبين لها أنها سوف ترتكب خطأ فادحا بقتلها لمخلوق ضعيف مثله قد تدين له بحياتها في يوم من الأيام. ولكى يدعم أقواله قص عليها قصة الأسد والفأر، هذه القصة التي وصلت إلينا عبر عصور بعيدة ليقتبسها "لافونتين La Fontaine"، في النهاية ، وهنا هدأت ثورتها لبعض الوقت. بل إن تأثرها قد بلغ مداه لدرجة أن دموعها قد انهمرت "كسيل جارف"، ولكنها عادت من جديد إلى ثورتها الجامحة فبدت معرفتها وكأنها اشتعلت نارا، وتكون ظهرها بلون الدماء، وتألق وجهها وتأجج كقرص الشمس، والتهبت عيناها توقدا واشتعالا. وهنا، ساد الظلام الصحارى من كثرة الغبار عندما أخذت اللبؤة الغاضبة الثائرة تضرب الأرض بذيلها.